سنان يا سنان




       سنان ، مسلسل الصور المتحركة الذي تابعناه جميعا عندما كنا أطفالا، عدت إليه في الآونة القريبة على منصة اليوتيوب. وجدت أني أتذكر غالب الحلقات واستطعت في أحيان كثيرة توقع ما سيحدث، كانت الحلقات كلها متشابهة وتحمل في طياتها معاني جيدة وتحض على فعل الخير ومقاومة الشر، وتنتهي كل حلقة بانتصار الخير على الشر.
     في ذات الوقت، لاحظت وجود مشاكل عميقة في هذه السلسلة، لعل من أهمها البطل الأوحد، فهذا سنان ينتصر دائما في كل المعارك التي يدخلها، وهو الوحيد الذي يتمتع بالشجاعة والقوة والمثابرة، فلو قارنناه ببنان صديقه المقرب نجد أن سنان ينقذ حياة بنان في كل حلقة، وكأن بنان عبء على سنان ويتحمله سنان غصبا عنه. وعند نهاية الصراع الذي اشترك فيه سنان وبنان ضد الأشرار يصيح الجميع: شكرا يا سنان، لقد أنقذت الموقف وحللت المشكلة.
      زعبور وشرشور وفرفور شيء آخر، فهؤلاء الثلاثة يخضعون دائما للأقوى، يكرهون سنان مع أن سنان أقوى منهم، ولكنهم لا يخضعون له، بل يصرون على مجابهته ومحاربته كلما أتيحت لهم الفرصة، ثم إذا جاء شرير غريب ضد سنان ووالده يتفقون معه، بل يصيرون من أتباعه، ينفذون أوامره ويحاولون الإيقاع بسنان ليتعارك معه.
      باقي أفراد الغابة محايدون على الدوام، بل هم متخاذلون، تنطلي عليهم كل الحيل التي يمارسها زعبور وشرشور وفرفور فيتبعون أقوالهم ويخضعون لأوامرهم ويصدقون الإشاعات التي يذيعونها، ثم في النهاية، عندما يتضح كذب زعبور وشرشور وفرفور يعتذرون من سنان ورحمون وكأن شيئا لم يكن، ويقبل اعتذارهم في كل مرة.
      زعبور وشرشور وفرفور يتعاونون دائما مع الأشرار الذين يحاولون احتلال الغابة والسيطرة عليها، وعند نهاية الحلقة يسامحهم أفراد الغابة، بل ويضحكون من أفعالهم، لأنهم أشرار طيبون، وأهل الغابة يسامحونهم على هذه الأفعال التي يفعلونها دائما وكل مرة، بل وتنتهي الحلقة بإظهارهم بمظهر الظرفاء المساكين، الذين يعيدون السقوط في نفس الخطأ كل مرة.

     في اعتقادي ان القيم التي تزرعها سلسلة سنان عند مراجعتها مراجعة دقيقة قيم شريرة تحض الإنسان على الخضوع والاستسلام، وتقنع الإنسان انه من المقبول والطبيعي أن يخدع، وانه يمكنه أن يرتكب نفس الخطأ عدة مرات وسيغفر المجتمع له حتى وإن كان الخطأ هو خيانة القرويين والتحالف مع الأعداء ضدهم. كذلك تزرع فكرة البطل الوحيد، الذي لا يمكن للغابة أن تستمر إلا في وجوده، والذي يملك من المهارات ما لا يملكه أي فرد آخر في الغابة، فهو لا يكذب ولا يهزم ولا يخدع ويتمتع بكل المزايا التي يمكن لشخص ما أن يتخيلها. وهو الأشهر أو المشهور الوحيد في الغابة حتى ان الغابة تعرف باسم غابة سنان، والنهر الذي يمر بجوار بيت سنان.
       لا ننسى كذلك أن سنان لا يخاف، هذا النموذج الغبي الذي يجازف بأغلى ما عنده (حياته) من أجل شيء لا معنى له، أو من أجل أن يقال إن سنان لا يخاف أبدا، وتفاخره بتجشم المصاعب والمجازفة وتعريض نفسه للموت، ألا ترون معي أنه زرع في أذهاننا أن عدم الخوف أهم من حفظ النفس والصحة وكل شيء في هذه الدنيا ؟؟
      يجب أن تجرى دراسات دقيقة على هذه البرامج التي تعرض على الأطفال في مرحلة التلقي لتتماشى مع قيمنا وأعرافنا وديننا ، ولتتماشى مع ما يحتاجه مجتمعنا في كل مرحلة من مراحل رحلته عبر التاريخ.
الطيب محسن