البحوث الحيوية (4) التكرار والضابط

قبل الاستمرار في الحديث عن كيفية إجراء التجارب يجب أن نقف قليلا عند هذين المفهومين الأساسيين في التجارب: التكرار والضابط.

التكرار:

      لا يمكن أن نتأكد من أن النتيجة التي وصلنا إليها يمكن الاعتماد عليها والقول إنها تنطبق على الجميع إذا أجريناها مرة واحدة فقط، مثال ذلك لو أردنا معرفة أثر إضافة الشعير إلى علف الخراف على وزنها، فإنه يجب أن نقدم الشعير إلى مجموعة من الخراف وليس إلى خروف واحد فقط، لإجراء هذه التجربة نضع للخروف الشعير مع علفه المعتاد ثم نقيس وزنه بعد مرور شهر ونلاحظ الزيادة في الوزن، لكن لنفرض مثلا أن الخروف كان مريضا؟ أو أنه يفضل العلف المعتاد على الشعير أو ان الخروف كسول لا يتحرك كثيرا فيزيد وزنه ويكثر شحمه، هل يمكن بإجراء هذه التجربة على خروف واحد القول إن الشعير يزيد وزن الخروف إذا أضيف إلى العلف ؟ فلنفكر في مثال آخر: ماذا لو أردنا معرفة هل يفضل طلاب المدارس القهوة أو الشاي في الصباح، فهل يكفي أن نسأل طالبا واحدا ثم نطلق النتيجة على الجميع.
     التركيبة الحيوية معقدة جدا، فهناك اختلافات كثيرة بين الأخ وأخيه، والصديق وصديقه من عدة نواح منها الوظيفية كذلك، فلو أردنا حساب سرعة العدو عند طلاب جامعة ما فإنا سنجد اختلافا كثيرا بينهم ، يتأثر بالوزن ، والعمر، واللياقة. فهل يمكن أن نحسب سرعة طالب واحد عند العدو ونعمم النتيجة على الجميع، كذلك تختلف السرعة لنفس الشخص بين يوم وآخر، فقد يكون اليوم نشيطا مفعما بالقوة، ويكون غدا خاملا متعبا، فنجد النتيجة تختلف في الحالتين.
      لا يمكن حصر الأمثلة على هذه الفكرة، فالأمثلة كثيرة جدا، ولتقليل هذا الأثر على نتيجة التجربة وجب تكرارها لعدة أشخاص وأحيانا لنفس الشخص عدة مرات، وفي الخلايا بإجرائها على عدد من العينات، أو تكرارها لنفس العينة أكثر من مرة. فكلما كان العدد أكبر كانت النتيجة أوثق.

الضابط:

      لنضرب مثالا على الضابط: ماذا لو أردنا معرفة أثر إضافة الشعير إلى علف الخراف على وزنها، وأجرينا التجربة على عشر خراف لمدة سنة، قسنا في بداية التجربة وزنها ثم قسناه في نهايتها، فوجدنا أن أوزان الخراف زادت زيادة جيدة، فهل يمكن القول إن سبب زيادة وزنها هو إضافة الشعير؟ سيقول قائل: كذلك خرافي التي لم أضف الشعير إلى علفها زاد وزنها، وسيقول آخر هذه الزيادة طبيعية لأن الخراف تنمو وتكبر بمرور الوقت ويزداد وزنها كذلك. هنا تبرز مشكلة عويصة تحتاج إلى حل. 
      نحتاج هنا إلى ضابط، نحتاج إلى مجموعة خراف أخرى من نفس النوع وتقاربها في العمر وتعيش في ظروف مشابهة مع اختلاف واحد هو إضافة الشعير إلى العلف. بحيث نربي نفس العدد من الخراف دون إضافة الشعير إلى علفها، وتجرى التجربة في نفس الوقت على التوازي، وتكون أوزان الخراف متقاربة عند بداية التجربة ثم نقيس أوزانها في النهاية ، فإذا كانت أوزان مجموعة الشعير أعلى فإن هذا يعني أن الشعير ساعد على زيادة وزن الخراف، أما إن كان الوزن متقاربا فإنه يمكن القول إن الشعير لا يضيف شيئا على العلف المستعمل. ولكن يجب أن تكون الظروف الأخرى متساوية أو متقاربة، بحيث تعيش الخراف في حظائر متجاورة متشابهة، في نفس الوقت من السنة، فالمواسم تؤثر على الوزن كذلك، وأن تضاف إليها نفس الكميات من العلف، وتكون الخراف من نفس الجنس، فلا يجوز مقارنة الذكور بالإناث، أو مقارنة خراف أسترالية بخراف شامية مثلا. 
      كذلك في الخلايا نحتاج لأن تكون لدينا مجموعتان من الخلايا، مجموعة نسلط عليها المؤثر الذي نود دراسته، ومجموعة أخرى تعيش في نفس الظروف تماما مع اختلاف واحد هو عدم تسليط المؤثر الذي ندرسه عليها، هذه هي الفكرة الأساسية وستتضح التفاصيل في مدونات لاحقة.

الطيب محسن